داء كرون والتهاب القولون التقرحي

يصف مصطلح التهاب القولون (Colitis) التهابا في الأمعاء الغليظة قد يحدث لأسباب جينية، أسباب متعلقة بجهاز المناعة، وأسباب بيئية تتضمن أسبابا تلوثية. لهذا من المهم التأكد دائما من عدم وجود هذه العوامل كسبب لالتهاب القولون، قبل تشخيص التهاب القولون التقرحي.


ما هو التهاب القولون التقرحي؟

سبب المرض ليس معروفا، وليست هناك أبحاث نجحت في العثور بشكل قاطع على العوامل المسؤولة عن حدوث المرض. وفق الاعتقاد الشائع اليوم، فإن رد فعل جهاز المناعة بشكل غير سليم تجاه الطبقة المخاطية في الجهاز الهضمي هو السبب الأساسي لحدوث المرض. إن أسباب حدوث أمراض التهاب المعي ليست مؤكدة، ولم ينجح العلم بعد في اكتشاف أسبابها بشكل واضح، ولكن هناك اعتقاد يشير إلى وجود عوامل مختلفة مثل العامل العائلي، عامل التغذية أو تلوّث قد يشكل كل منها محفزا لظهور المرض. قد يندلع المرض في أعقاب اكتئاب، قلق، أو توتر نفسي. كما يلعب جهاز المناعة دورا هاما في خطر نشوء المرض في الحالات التي تتضمن نقص التوازن بين العوامل التي تشجع حدوث الالتهاب وبين العوامل المسؤولة عن كبته. لهذا السبب، يركّز جزء من العلاج الدوائي لهذه الأمراض على ضبط جهاز المناعة.


مدى انتشار التهاب القولون التقرحي

يتغير مدى انتشار المرض بين منطقة وأخرى في العالم. يتراوح انتشار المرض في العالم بين 44 حتى 322 مريضا من بين 100 ألف شخص. المرض منتشر في أوروبا وأمريكا الشمالية أكثر من أسيا وإفريقيا. في أوروبا، التهاب القولون التقرحي منتشر بوتيرة أعلى في ألمانيا، إذ يعاني منه 322 مريضا من بين 100 ألف شخص، أما في أمريكا الشمالية يعاني منه 286 مريضا من بين 100 ألف شخص. بالمقابل، يعاني في إسرائيل 25 مريضا من بين 100 ألف شخص من المرض، الذي هو شائع أكثر لدى اليهود من أصل أشكنازي مقارنة باليهود من أصل شرقي. قد يظهر المرض في كل جيل، ولكن تحدث ذروة انتشاره في العشرينيات والثلاثينيات من العمر وفي الأعمار 60 حتى 70 عاما. المرض منتشر بشكل متساو بين الرجال والنساء.

 

ما هي علامات التهاب القولون وأعراضه؟

علامات المرض هي نزيف من فتحة الشرج غالبا، الشعور بالحاجة إلى التبرز، وحدوث تبرزات رخوة حتى إسهال. إذا كان النزيف قويا، قد يؤدي إلى فقر الدم بشكل ملحوظ وإلى ضعف. تتفاوت حدة المرض بين شخص وآخر. في الحالات الأكثر صعوبة، قد يحدث أيضا ارتفاع حرارة الجسم، فقر دم حاد، آلام في البطن مع انتفاخ واضح ما قد يؤدي إلى المكوث في المستشفى، ويتطلب علاجا ومتابعة مكثّفة جدا. هذه الحالة طفيفة غالبا وقد ورد وصفها أعلاه.

 

كيف يُشخّص التهاب القولون؟

عند ظهور أعراض ملائمة تستمر لأكثر من 3 حتى 4 أسابيع، لا سيما عند وجود تاريخ عائلي من مرض التهاب المعي، يُطلب من المريض غالبا إجراء تنظير: تنظير سيني (Sigmoidoscopy) أو تنظير القولون (Colonoscopy)، ويتم بموجبهما تقييم حالة الطبقة المخاطية في الأمعاء الغليظة. يجدر التذكر أن الشبان يعانون من نزيف من فتحة الشرج بدرجات حدة متفاوتة غير نادر، ويحدث هذا غالبا بسبب مشاكل في فتحة الشرج، مثلا: بواسير، أو شق شرجي، وهذه هي الحالات الأولى التي يجدر بنا التأكد من عدم وجودها أثناء التشخيص. بالمقابل، تُجرى أيضا فحوص دم وبراز من شأنها أن تدعم التشخيص.


المضاعفات

المضاعفات المحتملة لحدوث التهاب القولون التقرحي هي نزيف، انخفاض مستوى الهيموغلوبين، وفقر الدم. حدوث ثقوب في جدار المعي، جفاف، مرض كبدي (نادرا)، هشاشة العظام، التهاب الجلد، المفاصل والعينين، وخطر متزايد لحدوث تخثرات دموية. قد تظهر تغييرات قبل سرطانية في الأمعاء الغليظة لدى مرضى التهاب القولون التقرحي تستمر طوال سنوات. ثمة مضاعف آخر لالتهاب القولون التقرحي وهو حدوث خطر متزايد لظهور سرطان الأمعاء الغليظة، المرتبط بنشاط المرض، حجمه، وعدد سنوات الإصابة به. يُدعى هذا المضاعف النادر تضخم القولون السُمي (mega colon‏ Toxic)، في هذه الحالة يتوسع المعي ولا يستجيب، لهذا تعتبر هذه الحالة طارئة وتتطلب مكوثا في المستشفى وعلاجا سريعا.


علاجات التهاب القولون التقرحي

تُستخدم في يومنا هذا أدوية من مجموعات علاجية مختلفة لعلاج التهاب القولون التقرحي:

 

  1. أمينوساليسيلات‎: تبين أن الأدوية في هذه المجموعة الدوائية ناجعة لعلاج التهاب القولون التقرحي بدرجة طفيفة حتى متوسطة، وهناك نجاعة سريرية شبيهة بين أنواع المستحضرات المختلفة. تتعلق نجاعة العلاج بالجرعة التي يتم إعطاءها. الأدوية ناجعة في الحفاظ على الهدأة‎ (maintenance therapy) ، ‎وفي منع سرطان الأمعاء الغليظة. يكون علاج بالحقنة الشرجية أو التحاميل ناجعا عندما يُعطى على حدة أو كإضافة لعلاج فموي عندما يكون المرض نشطا ويصل إلى القولون الأيسر.
  2. كورتيكوستيرويدات: تؤدي مجموعة الأدوية هذه دورا مركزيا في علاج الاندلاع الحاد لالتهاب القولون التقرحي، بدرجة حدة متوسطة حتى حادة، أو في علاج مرضى لا يستجيبون للعلاج بأمينوساليسيلات. عند ظهور المرض بشكل حاد، من المتبع إعطاء علاج عبر تسريب وريدي. إن أفضلية العلاج بكورتيكوستيرويدات هي رد الفعل السريع والجيد لدى معظم المرضى. يُعطى العلاج عبر الفم أيضا أو عبر فتحة الشرج بحقن شرجية أو رغوة.
  3. أدوية محبطة لجهاز المناعة: تُستخدم هذه الأدوية لعلاج المرض النشط الذي لم يتم كبحه باستخدام الأمينوساليسيلات والكورتيكوستيرويدات، وللحفاظ على خمود المرض. الدواء ناجع في تقليل استخدام الستيرويدات. من بين أدوية أخرى، تتضمن هذه المجموعة دواء مضادا للأيض وأدوية الثيوپيورين. تبين أن أدوية الثيوپيورين ناجعة في الحفاظ على خمود المرض. يُعطى العلاج عبر الفم وتأثيره بطيء نسبيا، يطرأ تحسن على المرض خلال 10 حتى 12 أسبوعا من بدء العلاج.
  4. أدوية بيولوجية: تُنتَج مجموعة الأدوية هذه بطرق جينية، وذلك عبر استخدام خلايا من مضيفين مختلفين، مثلا: الخمائر وخلايا E.coli‎. الأجسام المضادة أحادية النسيلة، التي هي بروتينات معدّة لإلغاء نشاط البروتينات الأخرى وذلك عبر الارتباط بها (كل جسم مضاد ملائم لبروتين معيّن فقط)، وقد تبين أنها ناجعة في علاج داء كرون والتهاب القولون التقرحي.
  • مجموعة مثبتات ‎ Tumor necrosis factor alpha - TNFα –‎أدوية ناجعة في الحفاظ على‎‎ الخمود maintenance therapy)) لدى المرضى الذين لديهم التهاب القولون التقرحي الذين عولجوا بأدوية أخرى ولكن دون نجاح. تُعطى الأدوية عبر الوريد أو بالحقن تحت الجلد. لقد تبيّن أنها ناجعة في علاج النواسير (Fistula)، وفي تخفيف الأعراض مثلا: الضعف والتعب، والتهاب المفاصل.
  • مجموعة مثبطات الإنترلوكين: هي دواء آخر لعلاج داء التهاب القولون التقرحي، وهي تعيق نشاط الإنتركولين 12 و 23. وهي بروتينات تعمل على جهاز المناعة في الجسم. يتضمن علاج مرض داء القولون التقرحي جرعة تحميل (loading dose) عبر تسريب وريدي، ثم بالحقن تحت الجلد.
  • مجموعة مضادات بروتينات الإنتچرينات: هذه المجموعة هي أجسام مضادة مرتبطة بإشارات وارتباطات بين الخلايا المختلفة. يؤدي العلاج إلى إعاقة بروتين integrin α4β7، ويتيح نشاطا مضادا للالتهاب بشكل انتقائي للمعي، نتيجة لذلك ينخفض احتمال حدوث التلوثات. العلاج معد للمرضى الذين يعانون من التهاب القولون التقرحي بدرجة فعالية متوسطة حتى حادة، ويُعطى عبر تسريب وريدي.‎ ‎
    تعتمد علاجات داء التهاب القولون التقرحي على حجم المرض وحدته. إذا كان المرض طفيفا، ومحدود إلى عشرة حتى عشرين سنتميترا قريبا من فتحة الشرج، يمكن علاجه باستخدام علاج مضاد للالتهاب بشكل موضعي، تحاميل أو حقن شرجية. ويمكن دمج العلاج مع أقراص أو حبيبات من ذات مجموعة المستحضرات المضادة للالتهاب. إن دمج العلاجين معا أفضل من استخدام كل علاج على حدة. عند التعافي من المرحلة الحادة يجب متابعة علاج الصيانة. عندما يظهر المرض بدرجة متوسطة أو حادة، يجب إضافة ستيرويدات فموية. في حال لم تساعد هذه الستيرويدات الفموية، يجب إعطاء ستيرويدات عبر تسريب وريدي. إذا لم يستجب المرض للستيرويدات، يجب الانتقال إلى علاج من مجموعة السيكلوسپورين (Ciclosporin) أو إلى علاجات بيولوجية.

 

هل يمكن التعافي من التهاب القولون التقرحي؟

التهاب القولون التقرحي هو مرض مزمن يتميز بفترات تتراوح بين اندلاع المرض وخمود على التوالي، وتتطلب علاجا دوائيّا ثابتا دائما تقريبا بهدف الحفاظ على خمود المرض. في الواقع، للأسف الشديد، لا يمكن العلاج من هذا المرض (فيما عدا عبر استئصال الأمعاء الغليظة بشكل كامل، والذي قد يؤدي أحيانا أيضا إلى أمراض أخرى ترتبط بجذع الأمعاء الدقيقة، پاوتش)، ولكن يمكن اتباع نمط حياة جيدا ومقبولا ومحاولة منع المضاعفات في المستقبل بفضل أدوية جديدة كثيرة ذات تأثير علاجي أفضل من العلاجات الأقدم.

 

 

تاريخ آخر تحديث: